الإصلاح التربوي في تونس: الخلل في الزمن المدرسي أم في نظم التقييم؟؟
الأكيد لا هذا ولا ذاك...
تداولت أخيرا مواقع التواصل الاجتماعي مشاريع إصلاحية
للمنظومة التعليمية في الجمهورية التونسية تمحورت أساسا حول تغيير نظام الثلاثيات
إلى نظام سداسيتين في السنة الدراسية وتغييرا في الزمن المدرسي من حيث العطل وأيام
الراحة زيادة على إجبارية تقييم المرحلة الابتدائية بإجراء امتحان نهائي مع التدرّج
سنويا إلى حين فرضه كليّا بعد أربع سنوات، وحسب ما ظهر إلى حدّ الآن فإنّ واضعي
هذا التصوّر يتطلعون من خلال هذه الإجراءات تعافي نظام التربية والتعليم في تونس
وسيشهد نفلة نوعية ويكون بلسما شافيا وكافيا لنظام تربوي تعليمي تهالك وتدهور على حدّ
اختنق فيه المعلّم والمتعلّم حتّى أنّنا شهدنا في السنوات الأخيرة كوارث وقف فيها
المربّون والمتعلمون أمام أنظار القضاء والذّي بدوره لم يستطع تحديد الجاني من
المجنيّ عليه، ومنه فإنّنا نرى أنّ التعليم والتربية في تونس يعانيان مرضا عضالا امتدّ
لعقود طويلة حيث لم يشهد أيّ نقلة نوعيّة منذ تمّ وضع لبنته الأولى منذ فجر الاستقلال
في أواسط خمسينات القرن الماضي وما وقع من إصلاحات لم تمثّل سوى خربشات على وجه
محترق، ولا يمثّل الزمن المدرسي ونظام التقييم سوى جزء بسيط من مشكل أعظم وهو ظلّ
شجرة كبيرة في منتصف النهار، هذا وقد أخذ منّي التفكير في إصلاح نظام التربية
والتعليم خمسة عشر سنة على الأقلّ وبعد تجربة ميدانية في التعليم لأكثر من ثلاثة
عقود في مدارس مختلفة من وسط البلاد إلى شمالها وما أريافها إلى مدنها، أعتقد أن
الإصلاح يجب أن يكون كليّا إن رمنا النّجاح وتطوير الإنتاج والإنتاجية.
1. تقييم المنظومة الحالية:
لا يختلف
اثنان من المهتمين بالتعليم في تونس من الحكم عليها بالفشل المطلق في إرساء تعليم
جيّد ينتج جيلا صالحا ومواطنا مسؤولا حسب الغايات التربوية بل أنتج جيلا متواكلا
ضعيف علميا وأدبيّا وتواصليّا بل جيلا عنيفا فتضاعفت الجريمة داخل المدرسة وفي
البيت والمجتمع وقام بأعمال لا يقبلها المنطق ولا التربية وهو من المفروض قد تخرّج
من وزارة كتب على مدخل أبواب إداراتها المركزية والجهويّة والبنط العريض:
التربية؟؟ ومن هنا علينا طرح السؤال وقد طرح من كل الأطراف: أين الإشكال؟؟؟ المعلّم، المتعلّم، الوليّ، إطار الإشراف، الفضاء المدرسي،
القوانين الترتيبية، البرامج محتوى وتقييما، الروافد من إعلام وقضاء وغير ذلك من
المتدخلين بصورة مباشرة أو عرضيّة؟؟؟ إذا الفشل هو فشل جماعي ولكل نصيب فيه
حسب فعله في انحدار هذا البناء الذي هو عمود المجتمع والسبب الرئيسي في تقدّمه أو
بقائه على هامش الأمم التي تتقدّم يوميّا سنوات وسنوات تقنيّا وتكنولوجيّا
واقتصاديّا وغير ذلك.
2. مشكلة الإصلاح الجزئي:
أوّلا، إنّ الاقتصار
على تغيير الزّمن المدرسي وربّما على أهميّته وخاصة افتتاح السّنة الدراسيّة
للتلاميذ في الأوّل من سبتمبر قد يخلق عديد الصّعوبات خاصّة في المناطق الوسطى
والجنوبيّة للبلاد التونسيّة حيث تتجاوز الحرارة في بعض الأوقات الخمسين درجة
مئويّة وقد شهدت شخصيّا بعض هذه الظروف الصّعبة في أواخر السّنة الدّراسية في شهر
جوان بأحد مدارس غرب ولاية المهدية في قسم يتجاوز عدد التلاميذ فيه الأربعين في
حصة تعليمية من خمس ساعات فكان الجوّ داخل القاعة أشبه بحمّام ولم نجد من حلّ سوى
إحضار سطل من الماء وكأس للشرب وخلد أغلب التلاميذ للنّوم، فعن أيّ دراسة أو امتحانات
في هكذا ظروف؟؟؟ كان من المفروض وباعتبار أن العودة المدرسيّة قديما قد كانت تنطلق
في واحد سبتمبر وقد وقع التخلّي عنها، فهل وقع ذلك عن طريق تقييم؟؟ وهل وقع مراجعة
ذلك التقييم؟؟ أم وقع وفق هوى وزير قد عصفت به التغييرات الحكومية؟؟ ثمّ تمتيع
التلاميذ بيومي راحة السبت والأحد فهل فكّر صاحب الفكرة أين سيقضّي التلاميذ هذين
اليومين؟؟ هل لكل العائلات نفس الظروف للترفيه والسّفر؟؟ أم هو مفعول حسب
المقاس؟؟؟
ثانيا، العودة
لنظام مناظرة السّيزيام ماهي فوائده ونتائجه وهل يمثّل الحلّ الأمثل للتّعليم
عموما؟؟؟ ثمّ ما هو أثره على جودة التعليم الابتدائي؟؟؟ إنّ العودة لهذا النّظام
لوحده سيراكم المشاكل ويضاعفها خاصّة في المرحلة الابتدائية والتي تعاني أصلا من
مشاكل خانقة أدّت إلى الفشل الذي ذكرنا في الفقرة الأولى بل ستزيد هذه المناظرة في
تكدّس التلاميذ الفاشلين في المناظرة في أقسام السّادسة وستتأثر الأقسام الأخرى
بالضرورة ونصبح في جحيم حقيقي لا مخرج منه وستتعكّر أكثر علاقة الأولياء بالمعلمين
أكثر ممّا هي متعفّنة الآن، وقد تتضاعف مشاكل الدروس الخصوصيّة وسننتج تلاميذ
فاشلين أي فاشلين في المناظرة وفي المجتمع وحتى تحويل الفاشلين إلى وزارة التشغيل
والتكوين فبالمؤكد سيكونون فاشلين لأنهم فاشلون في المناظرة وستكون وزارة التشغيل
والتكوين هي وزارة الفشل والفاشلين.
3. الإصلاح الهيكلي للتربية والتعليم:
إنّ الإصلاح
الهيكلي للتربية والتعليم لا يكون فاعلا وفعّالا ما لم يأخذ بعين الاعتبار كلّ من المعلّم،
المتعلّم، الوليّ، إطار الإشراف، الفضاء المدرسي، القوانين الترتيبية، البرامج
محتوى وتقييما، الرّوافد من إعلام وقضاء وغير ذلك من المتدخلين بصورة مباشرة أو
عرضيّة، فيشارك كل من جانبه بما تمليه عليه مسؤوليته العائليّة والوظيفيّة
والمواطنيّة عموما وتنخرط كل هذه الأطراف في مشروع جامع غايته الأساسية إنتاج
مواطن صالح مسؤول وكفء في عمله ولا يحدث هذا ما لم ننظر أوّلا في البرامج
والمحتويات وتناسبها مع فهم التلميذ وعمره فما نراه من كتب ووسائل تعليمية يجرها
المعلّم والتّلميذ على حدّ سواء يفوق الخيال ولا نجد له أثرا بين هذا السبوع وذاك،
في القراءة والحساب والتاريخ والجغرافيا وغير ذلك من مواد فما فائدة حشو أدمغة
الأطفال بكمّ هائل لا يبقى منه شيء من سنة إلى أخرى والتفاصيل عديدة فالتلميذ الذي
يدرس أنواع الانتخابات في سنة سادسة يعيد دراستها بالمرحلة الإعدادية ويتحصّل على
صفر هنا وهناك ... أمّا الحساب فالتلميذ الذي يتحصّل على ثمانية في السادسة يصير
صاحب الثمانية عشر في السابعة والمشكل في الوضعية ذات دلالة للتلميذ وحيث أنّ لا
دلالة عنده سوى دلالة لدى واضع برنامج الرياضيات في المرحلة الابتدائيّة، إذا
الحلّ يكمن في إصلاح هيكلي بإعادة تهيئة شاملة formatage للمنظومة التعليمية مع ادماج التربية في
التعليم وذلك ب:
ü الهيكلة:
تقسيم المرحلة الابتدائية إلى درجتين كل درجة من ثلاث سنوات، المرحلة الإعدادية
ثلاث سنوات والمرحلة الثانوية ثلاث سنوات، الاجازة ثلاث سنوات، الدراسات المعمقة
ثلاث سنوات، الدكتوراه ثلاث سنوات.
ü المحتوى:
في الدرجة الأولى تدرّس اللغة العربيّة تواصلا وكتابة وقراءة، الرياضيات
حسابا وآليات الجمع والطرح والضرب ونظام القيس والهندسة حسب ما تسمح له قدراته
الذهنية وتدمج المحتويات في مسائل بسيطة مع القطع نهائيا مع الوضعيات الاندماجية
المعمول بها حاليا، التنشئة الفنية من موسيقى وتصوير ومسرح ورياضة وتكنولوجيا وتقنية،
العلوم الدينية حسب طاقته الذهنية والمعرفية.
في الدرجة الثانية تتواصل دراسة مواد المرحلة الأولى مع إضافة مجال اللغات
الأجنبية تواصلا وقراءة وكتابة دون التّعمّق في دراسة قواعد اللغة في كلّ اللغات
من ضمنها اللغة العربيّة فما جدوى أن يتحصل المتعلم على صفر إذا لم يعرف المبتدأ
في الجملة: "في البيت ضيف"؟؟ مع الإصرار على القطع نهائيا مع التدريس
بالوضعية المشكل لأنها سبب البليّة والصدمة لدى جلّ التلاميذ.
ü التقييم والتوجيه:
كلّنا يعلم أنّ نظام التقييم بإسناد الأعداد هو ضارّ أكثر ممّا هو نافع
ونرى الوليّ والتلميذ لا غاية لهما من التعليم إلّا الحصول على أعلى الأعداد رغم
علمهم بأن المستوى الفعلي هو أدنى من العدد المراد الحصول عليه وقد يعمد البعض إلى
شراء الأعداد بهذه الطريقة أو تلك ولهذا فإنّنا نرى أن نغيّر هذا النّوع من
التقييم واعتماد تقييم يعتمد الملاحظات واشراك الولي على امتداد السنة الدراسية في
مراقبة مستوى منظوره وعلى أساسه يقع إقرار ارتقائه من عدمه ولا يجوز للتلميذ أن
يقضّي أكثر من أربع سنوات في درجة واحدة ، في نهاية الدرجة الأولى من التعليم
الابتدائي يظهر للوليّ والمعلمين ميولات الأطفال ورغباتهم في التّعلّم إن كان
تعليما صحيحا أو تعليما تقنيا وتكنولوجيا ومنه يقع التفاهم بين الولي والمعلمين
إلى توجيه التلميذ إلى المرحلة المهارية (مهارات يدوية وفكرية) أو المرحلة الصحيحة
(تعليم طويل) وبالتالي يصبح التعليم يحلّق كالطائر بجناحين: تعليم مهاري وتعليم
صحيح، في نهاية هذه المرحلة يمكن للتلميذ تغيير توجهّه من هذا الاختصاص إلى ذاك بعد
إجراء امتحان يحدّد امكانياته نحو الوجهة المقصودة.
المرتقون من التعليم المهاري يمكنهم اختيار نهج التعليم الإعدادي التقني أو
التكنولوجي حسب امكانياتهم المعرفية من خلال ملاحظات معلميهم وبموافقة أولياء
أمورهم وحسب رغباتهم. في السنة الثانية والثالثة من هذه المرحلة يمكن للمتعلمين
التخصص حسب المهن المطلوبة في سوق الشغل الوطني وفي العالم تشفع هذه المرحلة
بشهادة الكفاءة المهنية CAP في الاختصاص
المدروس.
يتلقى المتعلمون في التعليم الصحيح علوما نظرية وتطبيقية مقارنة بما يقع في
الأنظمة التعليمة الناجحة عالميا وتشفع هذه المرحلة بإجراء امتحان وطني يشفع
بشهادة نهاية التعليم الاعدادي الصحيح.
يمكن لكل متعلمي التعليم الصحيح تحويل وجهتهم نحو التعليم التقني أو
التكنولوجي بعد إجراء امتحان لتحديد الكفاءة الضرورية لمواصلة دراستهم في الشعبة
المختارة.
يسعف تلميذ التعليم الصحيح (الطويل) بسنة خامسة إذا رام مواصلة تعليمه في
هذا المجال.
من المهم الإشارة في حالة إخفاق التلميذ أو نيله أيّ من الشهائد قصد الاختبار
في هذه المرحلة الأخيرة يكون في أقصى الحالات قد بلغ من العمر 19 سنة وأدناها 17 وهو
ما يجعله قادرا على العمل وفق القانون الدولي.
في المرحلة الثانوية يتواصل تفريع التعليم الصحيح والتقني والتكنولوجي إلى الاختصاصات
وتزويد المتعلمين بالعلوم والمحتويات الضرورية وتختم هذه المرحلة بشهادة
الباكالوريا للتعلم الصحيح وشهادة المؤهل التقني والتكنولوجي المهني للتعليم
التقني والتعليم التكنولوجي BTP في الاختصاص المطلوب.
في التعليم العالي يتوجه تلاميذ التعليم الصحيح إلى التعليم الجامعي لنيل
الإجازة في العلوم الصحيحة كالتعليم والصحة وغيرها ويتوجه تلاميذ التعليم الثانوي
التقني والتكنولوجي إلى الشعب المهنية لنيل شهادة التقني السامي في الاختصاص
المدروس BTS.
يمكن للمتحصلين على الاجازة في التعليم الصحيح الانخراط في مرحلة الدراسات
المعمقة والتي تدوم ثلاث سنوات بشهادة الدراسات المعمقة في المجال وفق ضوابط توضع
للغرض وتسمح له هذه المرحلة آليا الاعداد لامتحان الدكتوراه.
المتحصلون على شهادة التقني السامي في اختصاص معيّن يمكنهم دراسة مرحلة
الهندسة والتي تشفع بالحصول على شهادة مهندس في الاختصاص المطلوب ومدتها ثلاث
سنوات.
ü الاختصاص:
يخضع المدرسون في كل مراحل التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي إلى
الاختصاص في تدريس المواد فمن غير المعقول أن يدرّس أستاذ التعليم الابتدائي مادة
التكنولوجيا وهو لا يستطيع فتح حساب تواصل اجتماعي أو من يدرس الموسيقي وهو لا
يعرف الاوزان والتصوير من لا يعرف تقارب الألوان وتباعدها ولنا من المضحكات الكثير،
فماذا نطلب من المتعلّم إذا المعلّم لا يستطيع تقديم لا يملك أساسا؟؟؟
ü الفضاءات المدرسيّة:
تضمن الدولة بمؤسساتها المركزية والجهوية والمحليّة وتواصلا وتفاعلا مع
المجتمع المدني والأولياء توفير الفضاءات وكل الوسائل الضرورية لإرساء منظومة
تعليمية ناجحة وناجزة نفتخر بها وتنتج أجيالا نتباهى بها بين الأمم.
ü الأطراف ذات الصّلة والمتقاطعة مع مجال التعليم:
إرساء منظومة تشريعية وقانونية يلتزم بها الجميع ويسهر القضاء العادل على
انفاذها.
عادل العاشق
استاذ أول مميّز فوق الرتبة درجة استثنائية
تعليقك يهمنا